أعمدة رأيالأفقجريدة Ouma press

مأثم أميرة الخروب

بقلم ابراهيم عامري BBM TV
رثاء الشجرة-الرمز:
كم كانت صدمتي يوم الأحد 12سپتمبر2021، حينما وقفت عند جدع خروبة إيمي نتغرييست، بعد تسلق شاق ومُضني: الشجرة-الرمز: الدائمة الخضرة، الواقفة بشموخ فوق قمة إيمي نتغرييست، شاهدة عبر القرون على كل أفراح آيت زياد وأتراحها. و كأنها هناك على القمة، حريصة على مباركة مياه الزات، و معاصر الزيت وأعراس الزياديات والزياديين أثناء مواسم الصيف والخريف.
وكم استقبلت من صدى أهازيج الأحواش وزغاريد الصبايا المنبعثة من القرى المنتشرة على طول الوادي وعلى سفوح التلال: من تيمزگيدا إلى  توخريبين، من تيمزيليط الى إيمي نتغرييست ومن تارگا الى آيت يحيا وعلي..
و تيكيضوت نيمي نتغرييست، هي أيضا شاهدة على مآسي أيت زياد من سنوات الجفاف والجراد والطاعون
و الحملات الهجومية للمخزن وبعض القبائل(مثل حملة أحمري و حملة بويغوليدن…).
كل ذلك وأكثر، والخروبة المباركة شاهدة وصامدة على الصخر ناشرة أغصانها الدائمة الخضرة، نحو المدى في شموخ، وكأنها توزع السلام والمحبة والبركات على ربوع أيت زياد.
كنت مغرما بهذه الشجرة منذ طفولتي(1956-1957)، و أنا شارد الذهن، داخل القسم المدرسي (الوحيد آنذاك بمدرسة توخربين)، كنت أتملى بطلعتها عبر النافذة، حالماً ببعيد.. ولم يكن وقتئد ما يحول بين رؤية تيكيضوت ونوافذ القسم عبر الأفق، عكس اليوم. ثم داومت زيارتها خلال الستينات، كلما زرت أقاربي”المباركيين” بإيمي نتغرييست.
واليوم، لما شدّني الحنين إليها وقررت تجديد العهد بزيارة، يا لهول ما وجدت! وجدت هيكلا متفحما تتساقط أطرافه من مجرد هبة نسيم، وهو كل ماتبقى من أغصان الخروبة-الرمز، التي طالما سادت، واليوم بادت.
وفي لحظة وجدتني في مأثم رهيب لمٓعلٓمة آيت زياد التي كانت يوما باسقة شامخة، وفي أسفل الصخرة شمالا بدت لي الآليات الضخمة الجاثمة و المنذرة بالطوفان!
إرتد بصري إلى الشجرة-الرمز، التي أضحى لونها أسود وجذعها المخروم يكاد يتهاوى، أدركني دٓوار و أصابني شبه انهيار، و غلبتني الرغبة في إطلاق العنان لمدامعي تأبينا لعهد عشناه وجعلته النستالجيا ذهبيا، وكأن خروبة إيمي نتغرييست بموتها تعلن نقطة نهاية لعصر ولّٓى، ونقطة استفهام مُريبة للذي يأتي.
فإلى ما قبل اليوم، وأنا أشاهدها من وَارْ إوْزا-الشبايك، كنت أعتقد أنها لا تزال تقاوم عاديات الزمن، وتوحي لنا في شموخها بكثير من الأمل، وها هو جثمانها اليوم أمامي يؤكد المقولة المشهورة “الأشجار تموت واقفة” لكن هيكلها المتفحم المنخور، يبوح لي بأن لا فائدة، وأن الطوفان على الأبواب لا محالة!
بدأت”الهبوط” مودعا الهيكل الأسود الذي انتهى وأنا في حال”هبوط نفسي” فضيع.
 البارحة الذكرى20 لسقوط البرجين بنيويورك، واليوم أشهد سقوط رمز تاريخي أخضر ذي حمولة تاريخية ورمزية أعمق، موغلة في وجدان كل إنسان زيادي، ومن غريب الصدف أن السماء كانت اليوم فوق آيت زياد مساحة رماد لا زرقة فيها، ومما زاد هذه الزيارة طابعا مأساويا، ضرورة العبور بمحاداة المجنزرات الجاثمة وقلعة الأشغال المشئومةالغاصبة.
تعازينا المشتركة في فقدان مٓعلٓمتنا البيئية الشاهقة: “تيكيضوت نيمي نتغرييست..”.
رغم ذلك و أكثر، أملنا في رب العالمين، وتستمر الحياة..
تارگا ن آيت زياد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى