الأفقجريدة Ouma pressمقالات

في زمن فوضى الصحافة و صحافة الفوضى

الإعلام المغربي يبحث عن براءته

واقعةُ الطفل القاصر الذي دُفِعَ به دفعا ليقوم بمهام هي حصرا من أدوار الصحفي المهني، في سلوك يتنافى مع كل ماهو مُتعارف عليه أخلاقيا وقانونيا وحقوقيا، ليست واقعة استثنائية أو عملا معزولا، بل هي النقطة التي أفاضت الكأس الممتلئ أصلا عن آخره بمثل هذه السلوكيات المسيئة للصحافة الوطنية..

. حمزة الفضيل

إن الفوضى العارمة التي تعرفها مهنة الصحافة تستدعي من جميع الفاعلين، مسؤولين ومهنيين، إعلان حالة الاستنفار، وتعبئة جميع الجهود لتصحيح هذا الوضع الشاذ.

وهو وضع خطير بالنظر إلى حجم الإخلال اليومي والمتتابع بأخلاقيات المهنة، فالممارسات التي تصدر عن عن بعض المنتسبين للجسم الصحافي، ترقى لمستوى “كوارث مهنية” بدون مبالغة أو مزايدة.

والتسامح مع هذه الممارسات سيؤدي -بالإضافة إلى تشجيعها وتفاقمها- إلى تمييع الحقل الصحافي، وخدش صورته في نظر المواطنين.

وهنا نشيد بالبلاغين الصادرين على التوالي من المجلس الوطني للصحافة، والنقابة الوطنية للصحافة المغربية، حيث سجلا استنكارهما -بوضوح صارم ولغة لا يشوبها إبهام- لما وقع بخصوص استغلال الطفل من طرف موقعين إلكترونيين حاصلين على الملاءمة القانونية، في إساءة بليغة للصحافة.

هذا الموقف الحاسم الذي ورد في البلاغين، إضافة إلى الاستنكار الشعبي الواسع، لا ينبغي أن يقفا عند هذا الحد، بل يجب الذهاب بهما بعيدا، وهي فرصة لتصحيح المسار، وإعمال نقد ذاتي جذري للعمل الصحافي بالمغرب.

لنعترف أن شيوع الرداءة وانتشارها على نطاق واسع هو قدَر جميع المجتمعات في عصر التخمة الرقمية، لكن ما لا نقبله أن تأتي هذه الرداءة محمولة على أثير الصحافة.. ذاك الأثير الذي كان فيما مضى يضطلع بأدوار طلائعية في النهوض بالوعي الجمعي، أصبح الآن -مع وجود استثناءات جادة- يستبيح حِمى المهنة، يُسارع إلى الفضائح حيث كانت، وإن لم يجدها، اصطنعها.

إن ظاهرة “حَمَلة الميكروفونات”، الذين يجوبون الأزقة باحثين عن زلات اللسان ولحظات الهشاشة التي تعتري المواطنين في أوقات الضعف، باتت تُلَطخ المشهد الصحافي، وتجعله مُهددا في وجوده وماهيته.. فالصحافة بالتعريف هي مهمة تقصي الحقائق، ومتى ما استُغنِيَ عن هذا الركن، استحالت الصحافة إلى شيء آخر، ولم تَعُد في جوهرها صحافةً.

والحقيقة، فإن اللوم ليس على هؤلاء الشباب المساكين، الذين يتعاملون مع الصحافة والإعلام باعتبارهما مجالا لامتصاص البطالة.. المسؤولية تقع أولا على المنظومة برُمتها التي تسمح بمثل هذه الهفوات، وثانيا على أصحاب تلك المشاريع الصحفية التي تعمل بمنطق التجارة، العرض والطلب، مُهملةً لأدنى شروط الممارسة الأخلاقية للمهنة، وثالثا على المهنيين الذي يُفضلون الارتكان إلى الصمت، بما يعنيه من تطبيع ورضوخ واستسلام، وأحيانا مقايضة الصمت بالصمت.

والأدهى من كل ذلك، أن تنخرط جهات إعلامية -كانت إلى وقت قريب في صف المُمانعة- في ممارسة وصناعة الرداءة، فما الذي يبقى إذن بعد أن تنغمس آخر حصون الصحافة في مستنقع السخافة ؟ ..

وكي لا نكون عدميين أو نقع في تبخيس حق أحد، وكي لا نوصف بالجفاء، لا يفوتنا أن ننوه بجميع الصحافيين المهنيين الذين تشبثوا بالرسالة السامية للصحافة، وانخرطوا بجهودهم الذاتية في مواجهة الفوضى والتيه الإعلامي والابتذال، في زمنٍ أصبح القابض فيه على أخلاقيات المهنة كالقابض على الجمر.

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى