لأول مرة في الصين انخفاض عدد السكان
الهاجس الذي يمكن أن يؤرق العملاق الآسيوي

وخلال سنة 2022، ولأول مرة منذ أكثر من 60 عاما، تجاوز عدد الوفيات عدد الولادات في هذا البلد الأكثر سكانا بالعالم، ذلك بعد أن تم تسجيل إجمالي 9,56 مليون ولادة، بينما بلغ إجمالي الوفيات 10,41 مليون، وفقا للمكتب الوطني للإحصاءات.
وبذلك تراجع عدد سكان البلد خلال تلك السنة إلى 1,411 مليار، أي بانخفاض 850 ألف مقارنة بسنة 2021.
وتشير العديد من التحليلات إلى أن هذا الاتجاه من المحتمل أن يستمر في السنوات القادمة، مما يضع العملاق الآسيوي على محك تداعيات كبيرة.
وإذا استمر هذا المنحى، يمكن أن يبلغ عدد سكان الصين 587 مليون نسمة فقط سنة 2100، وذلك بحسب توقعات دراسة أنجزتها أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، وهي نفس التوقعات الصادرة عن الأمم المتحدة، والتي تشير إلى أن عدد السكان الصين يتعين أن ينخفض بـ 109 مليون بحلول سنة 2050، أي أكثر ثلاث مرات من توقعاتها لسنة 2019.
ومنذ صدور البيانات، ما فتئ المحللون يدلون بآرائهم في هذا الصدد، مع تساؤلات لا تخلو من هاجس الربط بين طموح البلد في أن يصبح الأغنى في العالم وشيخوخة الساكنة.
وفي محاولة لعكس هذا الاتجاه، كشفت السلطات الصينية عن تدابير لتشجيع الأزواج الشباب على إنجاب المزيد من الأطفال.
ففي شنتشن، وهي مركز صناعي كبير، وأحد أكثر المدن كثافة سكانية بـ 17,7 مليون نسمة، تراهن السلطات على المساعدات المالية لإقناع الأزواج. وتحصل العائلات التي لديها ثلاثة أطفال أو أكثر على مكافآت تصل إلى 19.000 يوان بالإضافة إلى التعويضات حتى يبلغ الطفل الثالث سن الثالثة.
غير أن هذه السياسة لا يبدو أنها قد أسفرت عن النتائج المتوقعة، ذلك أن الروبورتاجات التي أنجزتها القنوات التلفزيونية المحلية حول هذه القضية، التي تستأثر بالنقاش، تظهر أن الشباب الصيني متردد، أو حتى حاسم في رفضه لإنجاب المزيد من الأطفال.
وتتعدد الأسباب بين ارتفاع تكلفة المعيشة، والمسار المهني، مرورا بغياب القدرة الكافية على رعاية الأطفال في بلد بضغوط تتزايد باستمرار.
ويتعين أن يكون لانخفاض عدد السكان تأثير سلبي على الاقتصاد، وهو ما تدركه السلطات تماما وتعمل على معالجته. وفي هذا الصدد اعتبر تشنغ تيانتشنغ، نائب مدير قسم الشركات وأبحاث السوق في معهد التنمية الصيني، أن الأمر يتعلق بتحد مهم يتعين أن ترفعه الصين.
وقال إنه “لمواجهة تحدي التراجع الديموغرافي، يتعين وضع تدابير فعالة، من بينها الإعفاءات الضريبية، ودعم الإسكان، والإعانات المالية، وهو ما يفرض ضرورة وضع استراتيجية على المدى الطويل لبلوغ تنمية ديمغرافية متوازنة.
كما استأثرت هذه القضية بأهمية بالغة خلال نقاشات الدورة الرابعة عشرة للمجلس الوطني لنواب الشعب الصيني، التي انعقدت مؤخرا في بكين.
ويرفض المسؤولون الحكوميون المخاوف المتعلقة بتأثير انخفاض عدد السكان على الاقتصاد، مشددين على أن “اليد العاملة النشيطة ستستمر في تحفيز النمو الاقتصادي”.
وبحسب بعض التحليلات، فإن المشكل أعمق بكثير، ذلك أن التراجع، المصحوب بشيخوخة السكان، ستكون تكلفته الاقتصادية كبيرة، لا سيما من حيث زيادة النفقات الاجتماعية، وانخفاض القدرة التنافسية لليد العاملة، التي دفعت البلد ليصبح القوة الاقتصادية الثانية في العالم.
وخارج الإطار المحلي، فإن القضية ذات أبعاد جيوستراتيجية بالنسبة للبلد، ذلك أن الجانب الديموغرافي يعتبر مكونا رئيسيا للتنافس الذي أصبح أكثر وضوحا بين الصين وجارتها الهند.
ومع اعلان خبر انخفاض عدد سكان الصين في يناير الماضي، يبدو أن الهند كانت تحقق أداء أفضل على عدد من المستويات، من بينها الديموغرافية.
ويبدو أن الثقل الاقتصادي المتزايد للهندلديه كل المقومات ليثير قلق الصينيين. ففي الوقت الذي تتوقع الصين أن ينمو اقتصادها بنسبة 5 في المائة فقط سنة 2023، تروم الهند تحقيق معدل 6 في المائة. وفي سنة 2022، حقق الاقتصاد الصيني نموا بنسبة 3 في المائة مقابل 7 في المائة للهند.
وفي نظر المحللين، من السابق لأوانه الحديث عن تراجع صيني، لأن المسألة مرتبطة بالطبع بالاعتبارات الاقتصادية، لكن الجغرافيا السياسية ستلعب دورا حاسما لتوضيح معالم عالم يتسم بشكوك متزايدة.