أخبارالأفقجريدة Ouma press

خبير في التحكيم لـ “BBM TV”: ينبغي التعريف بـ”المنتوجات” القضائية لتسوية المنازعات

الدكتور عبد السلام الإدريسي رئيس المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم، في حوار مع جريدة BBM tv

* التحكيم هو وسيلة مرنة تستطيع أن تستوعب مختلف المنازعات التي تطرح، سواء في المجال التجاري أو في المجال المدني

أجرت الحوار : نادية بالمعطي _ BBM TV 

تحل النزاعات عادة بواسطة السلطة القضائية أو ما يسمى بالقضاء الرسمي، هذا الأخير الذي يعتبر حاجة ماسة وملحة للإنسان إذ لا يمكن الإستغناء عنه في حل الخالفات والفصل في النزاعات، إلا أن القضاء وحده رغم أهميته والدور الذي يقوم به يبقى غير كافي لحل تلك الأعداد الهائلة والمهولة من القضايا الموضوعة فوق رفوف المحاكم، حيث أصبح التفكير لدى غالبية الدول، في إيجاد آليات موازية للقضاء برؤية لا تشكل بديلا عنه وإنما تساعده مثل آليات الصلح والوساطة والتحكيم(..).

وعليه فقد عرف المغرب حركة تشريعية في هذا الإطار شملت قانون المسطرة المدنية، من خلال تعديل بعض مقتضياته من المادة 306 إلى المادة 327 وذلك بالقانون رقم 05.08 سنة 2007 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية، إلا أنه تم التخلي عن هذه المقتضيات لفائدة قانون أكثر مرونة وتطورا في تنظيم التحكيم والوساطة بشكل مستقل عن قانون المسطرة المدنية، وذلك من خلال القانون رقم 95.17.

وفي هذا الصدد أجرت “BBM TV“، حوارا مع الأستاذ الجامعي، بجامعة محمد الخامس، ورئيس المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم، الدكتور عبد السلام الإدريسي.

نص الحوار :

ما هو السياق الذي أتى فيه القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية؟ وأين تتجلى أهميته على مستوى مناخ الأعمال؟

إن هذا الموضوع له أهميته وراهنيته سواء على المستوى الوطني أو الدولي، فقد أتى هذا القانون في إطار التوجيهات الملكية، حيث سبق وأكد الملك محمد السادس على ضرورة تفعيله، وجاء ذلك في عدة مناسبات من بينها ماقاله جلالته، خلال افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثانية من الولاية التشريعية الحادية عشر، حيث جاء في مقتطف منه: “ولتقوية ثقة المستثمرين في بلادنا، كوجهة للاستثمار المنتج، ندعو لتعزيز قواعد المنافسة الشريفة، وتفعيل آليات التحكيم والوساطة، لحل النزاعات في هذا المجال.

ومنه أتت ضرورة تفعيل وتنزيل هذا القانون على مستوى الواقع، نظرا لأهميته في تسوية المنازعات سواء عن طريق الوساطة الاتفاقية أو عن طريق التحكيم.

وتتجلى أهمية القانون 95.17 المتعلق بالتحكيم والوساطة الإتفاقية، على مستوى مناخ الأعمال، في كون أن جلب الاستثمارات الخارجية، تتطلب مجموعة من الشروط من بينها تحقيق مناخ جيد على مستوى الأعمال وهو شرط مرتبط بالعدالة.

والعدالة الرسمية في المغرب تؤدي دورها المهم، ولكن على مستوى الإستثمارات وخاصة تلك التي يكون أحد أطرافها أجنبي، يكون هناك نوع من التشكيك في العدالة الرسمية للبلاد، حيث أنه  لا يمكن أن تكون الدولة طرفا وحكما في نفس الوقت، لذلك أتى هذا القانون من أجل تحقيق نوع من الحياد والاستقلالية على مستوى اتخاذ القرار القضائي او الحكم التحكيمي.

ماهي مزايا التحكيم والنزاعات التي يمكن تسويتها من خلاله؟

التحكيم فعلا يعتقد البعض على أنه نخبوي إلا أنه آلية تلائم جميع النزاعات، على اختلاف طبيعتها وقيمتها.

وهناك عدة مزايا مرتبطة بالتحكيم مقارنة مع مساطر التقاضي الأخرى، من بينها  السرعة، حيث أصبحنا نتحدث اليوم عن التحكيم السريع أو السلس، الذي يمكن البث من خلاله في الدعوى خلال 3 أشهر حتى ولو كانت قيمة النزاع تصل الى أكثر من 5 ملايير سنتيم، وهي مسألة جد إيجابية حيث لا يمكننا أن نجد ذلك في القضاء الرسمي.

كذلك هناك المسألة المرتبطة بالسرية، حيث أن التقاضي بشكل عام أمام المحاكم مبني على قاعدة إعلانية الجلسات في حين نجد في التحكيم سرية الجلسات، ماعدا اتفاق الأطراف على علانيتها.

بالإضافة إلى أن السرية، تلائم مجموعة من النزاعات ذات الخصوصية كالنزاعات المرتبطة بالتكنولوجيا الدقيقة أو نزاعات بين متخاصمين لهما مصالح مشتركة، ويريدان أن يستمرا في المستقبل ولا يرغبان في إعلان نزاعهما،
حيث أن مثل هذه الأمور لا نجدها في القضاء ولا يمكنه أن يضمن السرية في جميع الأحوال لأنه هناك مجموعة من الأجهزة التي تطلع على هذه الملفات من أجل ترسيخ مبدء ضمانات المحاكمة العادلة، بعكس التحكيم حيث أن الهيئة التحكيمية وحدها التي تطلع على القرارات.

كما نجد المرونة الإجرائية في القضاء الرسمي، حيث لا يمكن للأطراف المتخاصمة أن تختار القاضي ولكن في إطار التحكيم يمكن لأطراف النزاع اختيار الحكم الذي سيعمل على فصل النزاع القائم بينهما، كذلك إمكانية اختيار القانون الإجرائي الذي تبتغيه، والقانون الواجب التطبيق على موضوع النزاع في حدود معينة، ومشروطة بعدم الاخلال بحقوق الدفاع وعدة شروط أخرى.

التحكيم هو وسيلة مرنة تستطيع أن تستوعب مختلف المنازعات التي تطرح، سواء في المجال التجاري أو في المجال المدني وهذه المرونة تتجلى أساسا في قدرة الأطراف على اختيار المحكم وغيرها من الإجراءات التي تمتاز بالمرونة.

عرفنا أكثر عن المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم؟

المحكمة الدولية للوساطة والتحكيم، هي محكمة تم تأسيسها سنة 2018، فهي حديثة نسبيا، يشتغل فيها مجموعة من الأطر المتميزة المغربية منهم الخبراء، المحاسبون، الاساتذة الجامعيون، منهم كذلك خبراء في مجال التقاضي، ومنهم باحثين في المجال.

المحكمة لا يتلخص دورها فقط في الفصل في المنازعات عن طريق الوساطة والتحكيم، بل أنها تساهم كذلك في خلق نقاش مجتمعي من أجل تطوير البنية القضائية الخاصة، لاسيما المرتبطة بتسوية المنازعات والمرتبطة كذلك بتحسين مناخ الأعمال، كما أنها منفتحة على مختلف المواضيع القانونية، وتشتغل بشراكة مع وزارة العدل ومع مجموعة من المؤسسات الرسمية منها جامعات وكليات ومؤسسات فاعلة في المغرب وخارجه.

ماهي نسبة القضايا التي تم عرضها عليكم من أجل تسويتها عن طريق إما الوساطة أو التحكيم؟

هذا سؤال يجرنا إلى التفكير عميقا في ثقافة اللجوء إلى التحكيم (..)

عرض علينا مجموعة من النزاعات التي تم التحكيم فيها وكذلك مجموعة من النزاعات التي تمت تسويتها عن طريق الوساطة، ولكن بشكل عام هذه النزاعات التي تمت تسويتها ليست كثيرة، حيث أنها معدودة على رؤوس الأصابع، وهذه المسألة تطرح تساؤل هل فعلا لا يتم اللجوء للتحكيم في المغرب؟

للأسف ليست لدينا احصائيات دقيقة ورسمية أو حتى غير الرسمية في هذا المجال حول عدد القضايا التي تم فيها الجوء للتحكيم او الوساطة، وعلى حد علمي، كممارس وأكاديمي في هذا المجال، فهذه القضايا تبقى قليلة جدا وحتى مسألة اللجوء للمؤسسات التحكيمية هي مسألة لازالت غير مطروحة بقوة على عقلية المستثمر أو المقاول المغربي، حيث أن المستثمر الأجنبي في المغرب لازال يختار اللجوء للتحكيم لدى مؤسسات تحكيمية أجنبية.

وبالنسبة للمستثميرين والمقاولين المغاربة في نزاعاتهم التجارية، ليست لدى غالبيتهم دراية بهذه المساطر، وكذلك على مستوى المهن القانونية نجد على أن المهنيين في المجال القانوني بشكل عام لا يشجعون على اختيار تسوية النزاعات عن طريق التحكيم ولا ينصحون باللجوء إليه أو للوساطة، نظرا لأن أغلبية هؤلاء المهنيين يمارسون الوساطة بشكل تلقائي ومجاني ولكن ليست الوساطة المؤسساتية المبنية على أسس دقيقة وعلمية..

كذلك هناك إشكال وهو الفاعل العمومي بشكل عام لا يشجع على اللجوء للتحكيم، حيث ينبغي على الفاعل العمومي أن يتجه نحو تشجيع اللجوء إلى التحكيم والوساطة تشجيعا غير ممركزا، ينبغي كذلك رسم سياسة عمومية واضحة ومشجعة لإرساء التحكيم والوساطة كآليتين لتسوية المنازعات في عقلية المستثمر وعقلية كذلك المتقاضي المغربي.

الإعلام المغربي كذلك، يجب أن يعطي فرصة للمتخصصين في هذا المجال لتوضيح هذه الآليات والتي يمكن أن نعتبرها المنتوجات القضائية البديلة لتسوية المنازعات.

(ترقبوا حوارا مصورا مع الأستاذ عبد السلام الإدريسي في الموضوع).

BBM TV

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى