التنظيم الذاتي في ذكرى المساري

جمال محافظ
في أواخر الشهر الماضي حلت الذكرى السابعة لرحيل محمد العربي المساري، نقيب الصحافيين المغاربة الأسبق أحد رواد الحركة الثقافية والسياسية، والذي ظل إلى حين وفاته في الـ25 من يوليوز 2015 مؤمنا ومتشبثا بأنه بدون إصلاح قطاع الإعلام وتوسيع هوامش حرية الصحافة، لا يمكن الحديث عن أي ديمقراطية وتنمية مستدامة بأوجهها المتعددة.
لقد كانت بصمات المساري ( 1936 – 2015 ) الكاتب العام للنقابة الوطنية للصحافة المغربية ما بين 1993 و1998، ماثلة للعيان في مختلف محطات تنظيم الصحافة وتشريعات الإعلام وأخلاقيات مهنة الصحافة، منذ أن كان مندوبا لجريدة “العلم” داخل قبة برلمان 1963، في أول تجربة تشريعية في مسار المغرب الحديث، مرورا بمحطة المناظرة الوطنية الأولى والأخيرة حول الإعلام والاتصال سنة 1993، وإشرافه على تحيين توصيات هذه المناظرة، مباشرة بعد تنصيبه وزيرا للاتصال سنة 1998، في زمن التناوب.
ويكتسي تخليد ذكرى العربي المساري طابعا خاصا هذه السنة لتزامنه مع مرور أربع سنوات على تأسيس المجلس الوطني للصحافة الذي من المقرر أن تجرى في أواخر العام الجاري انتخابات تجديد هياكه وبالتالي تدشين ولايته الثانية، وهو ما يتطلب الإسراع بفتح نقاش واسع حول الحصيلة التي راكمها المجلس خلال هذه المرحلة التأسيسية، وذلك ارتباطا بالمهام التي أناطه بها خاصة على مستوى التنظيم الذاتي لقطاع الصحافة والنشر،وممارسة دور الوساطة والتحكيم في النزاعات ما بين المهنيين ووضع ميثاق أخلاقيات المهنة والتأديب.
وهذا ما يقتضي أن تساهم في هذه المحطة الجديدة عبر حوار هادئ ونقد ذاتي مسؤول كافة الفعالياتالصحفية والإعلامية والشركاء في البحث عن السبل الكفيلة بتطوير هذه المؤسسة انطلاقا مما راكمته هذه التجربة إيجابيا وسلبيا كذلك لتجاوز الثغرات التي تكون قد صادفها المجلس خلال تنزيل القانون، وذلك للمساهمة الفعلي في تطوير الممارسة المهنية وصيانتها بهدف الارتقاء بالأداء حتى يتحولإعلامنا بالفعل الى مؤسسة ديمقراطية وسلطة حقيقية مستقلة تحظى بتقدير الرأي العام.
بيد أن ذلك لن يتأتى إلا عبر الانكباب الجاد حول مختلف الإشكالات والعراقيل الذاتية والموضوعية التي تحول دون قيام الصحافة والاعلام بأدواره الطلائعية، على أساس يعزز ذلك بمبادرات جريئة لتنقية الأجواء الصحفية وإصلاح الأعطاب والاختلالات، لبث الأمل من جديد وبالتالي يصبح ورش التنظيم هذا عاملا حاسما في تحقيق النقلة النوعية المطلوبة في مجال الصحافة والاعلام الذي لازال عصيا على الإصلاح منذ محاولات الراحل محمد العربي المساري في النسخة الأولى من حكومة التناوب.
كما يتطلب الأمر أن تتكاثف الجهود من أجل ضمان أكبر قدر من حرية الصحافة وترسيخ منظور إعلامي منفتح ومتطور، يستند على قواعد أخلاقياتالصحافة في اطار حكامة ذاتية وأسس ديمقراطية،مع الالتزام بالدفاع عن حق الرأي العام في اعلامحر وتنافسي يعكس المقتضيات الدستورية في مجال التعددية ويحتكم لقيم النزاهة والمهنية مع تحسينأوضاع الصحفيات والصحافين وصيانة حقوقهم وكرامتهم.
غير أن التغيير في الاعلام وإن كان لا يتأتى بقرارات فوقية، وإنما يتطلب بتغيير العقلية تستند على البيداغوجيا كما كان يرى العربي المساري قيد حياته، فإنه “معركة مهنية” تظل مفتوحة على كل الاحتمالات في هذه المرحلة الحاسمة والمفصلية التي يزيد من أهميتها ما يعتمل من تحولات في ميدان الإعلام والاتصال وطنيا ودوليا وما تفرزه الثورة الرقمية من تحديات يومية.
إلا أن ذلك يتطلب أيضا التوفر على مقاولات إعلامية عصرية قوية، قادرة على إشباع حاجيات المتلقي بمعطيات تمكنه من التفاعل مع بيئته ومحيطه؛ وهو ما كان ينبه إليه كثيرا الراحل العربي المساري حينما اعتبر أن عدم الأخذ بذلك سيؤدى حتما إلى إهداء جمهورنا للإعلام الوافد عبر الأقمار الصناعية، حيث لن نجد من يستهلك المادة المحلية.
ومن أجل تحقيق ذلك يتطلب الأمر التأسيس لإعلام متحرر ديناميكى معانقا للواقع. إن إعلاما من هذا القبيل – كما كان يردد على مسامعنا وباستمرار نحن صحفيو بداية التسعينيات – هو الكفيل بتجنيب بلادنا الكوارث التي نراها صباح مساء هنا وهناك، فأن يتحاور المغاربة في الندوات التلفزيونية المفتوحة والمباشرة حول مشاكلهم خير من أن يتحاوروا بالسكاكين والكلاشينكوف. ويظل السؤال المطروح هل تتوفر إرادة حقيقية من كافة الأطراف منأجل ضمان ممارسة صحفية مهنية تترجم على أرض الواقع وتساهم بشكل فعلي في تطوير الصحافة والنشر والارتقاء بمستوى القطاع، وهو ما يتطلب استعادة فكر ودينامية المساري وملائمتها مع التحولات الراهنة.