بنات “ماما عيشة”..و المصير المجهول

*فدوى نافيل
ماتت “ماما عيشة” وتركت بناتها بدون حضن دافئ، فهي كانت الأم الحاضنة للأمهات العازبات وأطفالهن، كانت سيدة بألف رجل، وقفت صامدة وسط بحر الانتقادات اللاذعة لتدافع عن قضايا لم يكن أحد يتجرأ قبلها على الخوض فيها أو سبر أغوارها، تحدت المجتمع ووقفت في صف نساء نبذهن المحيط، هي رمز للكفاح بنون النسوة، هي التي دافعت عن حقوق الأمهات العازبات إلى ٱخر رمق، امرأة عملت بجد للتخلص من هذا المشكل أو بالأحرى هاته الإعاقة التي أصابت مجتمعنا، والآن يبقى السؤال ما مصير الأم العازبة و أطفالها في المغرب في غياب الحديث عن العنصر الرئيسي ..الرجل.
وضعية “الأمهات العازبات” طالما كانت محط نقاش وجدل كبير في المغرب، باتت تؤرق المجتمع المدني المهتم بقضايا المرأة، فحسب أرقام دراسة وطنية في المغرب حول الأمهات العازبات أجرتها جمعية “إنصاف للدفاع عن حقوق المرأة” بتعاون مع الأمم المتحدة، سُجّل “وجود نحو 30 ألف حالة حمل للعازبات في المغرب، لافتة إلى أنهن “يُعانين من الإقصاء والرفض والتمييز وحتى الاستغلال”.
أرقام الدراسة المذكورة، تشير أيضاً إلى أن “سبعة من كل عشرة آباء مستقبليّين يتم إبلاغهم بحالات حمل خارج الزواج، لكن معظمهم يرفض الاعتراف بالمولود”.
وعن تعريف الأم العازبة أو ” les mères célibataires أو “single mother” وهو الاسم الذي يطلق على المرأة التي تلد خارج مؤسسة الزواج، أيّاً كانت أشكال هذه الولادة، سواء نتيجة الاغتصاب، أو تخلي الأب البيولوجي عنها بعد حملها.
يعد الحمل غير الشرعي من وجهة نظر دينية واجتماعية حملا حراما، ولذلك، فالطفل الوليد في هذه الحالة ينعت بابن الحرام ، ناهيك عن وسم الأم العازبة بشتى الشتائم والنعوت القدحية، بكل ما يرتبط بذلك من تهميش واحتقار، خاصة وأن الوضع يتجاوز الأم والطفل إلى العائلة، طالما أن الحمل الحرام تدنيس لسمعة العائلة وتلويث للشرف، في ما تعاني الأمهات العازبات الهشاشة،وتتعرضن لكل أشكال الاستغلال والعنف والإقصاء والتمييز، الأمر الذي يؤدي بهن إلى إيذاء أنفسهن أو فلذات كبدهن.
ويبقى الضحية الأكبر في هذا المسلسل الطفل البريء الذي يتحمل مسؤولية خطأ لحظة شهوة طول عمره، إذ يصنفه المجتمع في اللائحة السوداء مهما على شأنه أو كبر قدر، ويبقى دائما في عيون الآخرين “ابن الحرام، ابن الزنا، ولد الزنقة”، وعليه يمارس المجتمع كل أشكال الاحتقار والاستبعاد، وهو ما يخلف مجموعة من السلوكات المرفوضة التي تكون نتيجتها في غالب الأحيان سلبية.
ما زالت النظرة الدونية، تلاحق الأمهات العازبات، والأطفال الذين بدون هوية ووثائق ثبوتية، حيث تواجههم الإدارات المغربية بالرفض، لاسيما أثناء التسجيل في المدرسة، أو التوجه للتطبيب في المستشفيات العمومية، أو أثناء الرغبة في إعداد ملف بطاقة التعريف الوطنية.
ونتيجة هذه العراقيل، يجد الكثير من أطفال الأمهات العازبات، أنفسهم خارج حجرات المدرسة، كما أنه لا يمكن أن يشتغلوا في الوظائف العمومية أو شركات القطاع الخاص، لعدم توفرهم على ما يثبت هويتهم، ناهيك عن عدم ممارستهم لمواطنتهم كباقي المغاربة، من قبيل التصويت في الانتخابات.
وتطالب الجمعيات الحقوقية، بضرورة إعادة النظر في التشريعات القانونية، التي تعتبر هؤلاء الأطفال المولودين خارج نطاق الزواج الشرعي، بـ”أبناء الزنا”، لأن المغرب قطع أشواطا طويلة في المصادقة والالتزام بالمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، وهو ما يجب أن يبلور وينزل على أرض الواقع.
وتوجد بعض الاجتهادات من قبل ثلة من المؤسسات الوطنية، كالنيابة العامة، التي تصدر بين الفينة والأخرى نشرات تدعو فيها القضاة إلى التفاعل الإيجابي مع قضايا النسب، وتسهيل المساطر الإدارية بهذا الشأن، في إطار ضمان حقوق الأطفال في الهوية.
واستنادا إلى تقريرها السنوي لـ 2020، حول النشاط العام للنيابة العامة المرتبط بقضايا الأسرة، فإن ملفات النسب التي بثت فيها محاكم المملكة بلغت 1919 (102 ملتمسات النيابة العامة بمحاكم الاستئناف و1817 ضمن ملتمسات النيابة العامة بالمحاكم الابتدائية)، وبحسب تقريرها السنوي لنفس السنة، فإنه تم التداول في 765 ملف اغتصاب، و601 حالة هتك عرض بالعنف، و40 حالة استغلال جنسي.
وفي نفس السياق، أصدر قضاة النيابة العامة حكمهم في 2633 ملف يتعلق بالنسب خلال 2019 (77 بمحاكم الاستئناف و2556 بالمحاكم الابتدائية)، كما تم النظر في 948 حالة اغتصاب، و356 حالة هتك للعرض بالعنف.
هذه الأرقام تظهر نتائج مقلقة حول وضعية هذه الفئة من النساء ومستقبل أطفالهن، لذلك تدعو العديد من جمعيات الدفاع عن الحقوق المدنية والنساء إلى تعزيز واحترام حقوق الأطفال المولودين خارج إطار الزواج وأمهاتهم، وتحسين برامج التكفل والمساعدة وإعادة الإدماج الاجتماعي والمهني لفائدتهن.